ماكينة الاسبرسو، مسيرة طويلة من إستخلاص المذاق العذب

إيطاليا .. البلاد الأعجوبة التي استطاعت أن تبرهن للعالم أجمع أن قهوة الإسبريسو ومناطه الأول والأخير نبع من أرضها .. حيث شكل الاسبرسو حضارة وهواية إيطاليا وساهم بشكل كبير بتعريف الكثير عن إيطاليا وحضارتها العملاقة على مدى التاريخ. يتساءل الكثير حول المفهوم الأصلي لقهوة الاسبريسو ومعناها الشيء الذي يمكن إعداده بسرعة، حيث تُرجم حرفياً " اسبريسو" وتعنى سريع " إكسبريس" باللغة الانجليزية. وقد دخل مصطلح " اسبريسو" المعجم الإيطالي لأول مرة في عام 1935م ليصبح هذا المصطلح معبراً عن القهوة ذات الكافيين القوي والمرغوب لدى الأشخاص الباحثين عن المزاج والكيف الذي لا وجود له في أي نوع من انواع القهوة الاخرى.
لقد كان تصدير الاسبريسو للعالم تصديراً مذهلاً، حيث يعتبر الإيطاليون الاسبريسو مشروبهم الوطني والأول لما له من تعبير عن هويتهم وحبهم لحضارتهم. ومع ظهور أنواع مختلفة من قهوة الاسبريسو في البرازيل والصين وأمريكا وغيرها من الدول، فقد أقدم العديد من المواطنين الإيطاليين والحكومة الايطالية والبرلمان الايطالي الى حماية الهيمنة الثقافية والفكرية لقهوة الاسبرسو، مع العلم أن الحكومة والبرلمان والقطاع الخاص بإيطاليا تنفق أموال طائلة لمراقبة حقوق الملكية الايطالية والتأكد من مدى مطابقته بمعايير الجودة الايطالية. ولهذا أصبح الاسبريسو جزءاً اساسياً من الثقافة الايطالية وكل تلك المواقف ما هي إلا دفاع قوي وفخر كبير من قبل الايطاليين في الدفاع عن قهوتهم.
ومن هذا المنطلق ومع تزايد الابتكارات الجمة للثورة الصناعية في أوربا قديماً وحب الإيطاليين وشغفهم الجامح في تعريف العالم بقهوة الاسبريسو، ابتكر الايطالي " أنجيلو موريوندو" عام 1884م ابتكاراً فريداً في الساحة الأوربية أول آلة صنع قهوة اسبريسو وكان الايطاليين حينها مناط للفخر وعلامة يتردد صداها في الكثير من المقاهي التجارية في العالم أجمع، حيث كانت فرحة عارمة كون تلك الماكنة " المولود الأول" لبروز وتسويق الاسبرسو بجودته ومذاقه المطور.
بعدها بسنوات معدودة استمر الإيطاليين بشغفهم وابداعهم المتفنن في العناية والاهتمام بتلك المكينة، وكان أول الغيث أن حظيت آلة الاسبريسو على عناية خاصة من قبل الميكانيكي الإيطالي " لويجي بزيرا" حيث قام بعمل تحسينات واضافات تمكن الذائق العام بشرب قهوة الاسبرسو الاصيلة بمضمونها الاصيل ولونها الأسود. وحصل الإيطالي " لويجي بزبرا" على أول براءة اختراع في ماكينة الاسبرسو عام 1903م والتي امتازت بعدة خصائص فريدة أهما وأبرزها اضافة رؤوس مميزة لمصفاة القهوة على المكينة، ناهيك عن إضافة خاصية ضغط القهوة عن طريق الكبس.
مرت السنوات وفاحت رائحة الاسبرسو لمعظم المقاهي التجارية وعشاق القهوة السوداء، حيث مع انتشار الآلة ومبيعاتها في إيطاليا والعالم أجمع، تبنت شركة " لابافوني" العملاقة في ذلك الحين من شراء آلة الاسبريسو وتوزيعها تجارياً على جميع المقاهي ابتداءً من ميلانو الايطالية وتاليها الى المقاهي القاطنة في الأحياء الأوربية. ومن ذلك المنطلق كانت فرصة أن تسوق تلك المكائن نفسها لزوارها ومحبي شرب القهوة من تجربة اقتناء كوب من الاسبرسو. في عام 1905م ازدادت براءات الاختراع من قبل تلك الماكينة، حيث تم شراء براءة إختراع محدثة من العالم الإيطالي "لويجي بزيرا" من قبل رجل الأعمال الإيطالي ديسيديرو بافوني المالك لشركة " لابافوني". وقد أمتازت براءة الإختراع هذه بتضمنها رؤوس متعددة تتيح صنع عدد أكبر من أكواب القهوة في آن واحد بدرجة حرارة متساوية.
في عام 1947م تمكنت شركة أكيل غاغيا ( Achille Gaggia) من تكبير الضخ اليدوي الذي يؤدي الى المزيد من الضغط على در القهوة وانتاج الكريمة التي توضع أعلى الكوب، والتي بدورها تمنح القهوة طعم مميز. بعدها بسنة 1948م، تم شراء اختراع شركة أكيل غاغيا من قبل الشركة الايطالية ارنيستو فالينتي المشهورة بإنتاج آلات القهوة المباعة في المقاهي الإيطالية. وقد كانت فكرة براءة اختراع غاغيا في تحويلها الى آلة رخيصة السعر تحت مسمى ( Faema E16) والمشهورة في عالمنا ووقتنا الحالي. وقد أتاحت شركة ارنيستو ببيع منتجاتها لجميع مقاهي العالم بسعر مقبول وبجودة عالية، وتعتبر حالياً آلة ( E61) بعملاق الماكينة الاسبريسو الحديثةن فهي أول آلة شبيهة بالآلة الاتوماتيكية التي تسهل على النادل والباريستا بالحصول على قهوة الاسبريسو بكل سهولة ويسر وبدون مشقة.
في أواخر السبعينات من القرن الماضي، أنتجت شركة UlKA أول آلة إسبرسو مخصصة للأستخدام المنزلي، حيث كانت تلك الآلة قنبلة تصنيعية ومعجزة كان ينتظرها الكثير من عشاق القهوة. ولهذا الصدد كانت لتلك الآلة المنزلية اهتمام بالغ منقطع النظير لما لها من اهمية في حياة الإيطاليين بشكل خاص والقارة الأوربية بشكل عام. وتم توفير آلة الاسبريسو في الاسواق التجارية واصبحت متاحة لجميع عشاق القهوة، حتى ان سعرها حالياً أًصبح منطقياً وغير مبالغاً فيه، قد يصل سعرها ما بين (120– 200) دولاراً للألة الواحدة .
عام وراء عام أثبتت تلك القهوة السوداء أنها مناط لكل محبي القهوة، بل نصبت مكان لنفسها كملكة تمتاز عن غيرها. ومع توالي السنوات تطورت آلة الاسبرسو لتشمل خصائص عديدة ومطلوبة لدى الأسواق التجارية، ومن تلك الخصائص توفر: عصا البخار ومحرك الكبس ومضخة مدفوعة بالهواء وكوب خاص بالحليب. ناهيك عن ذلك فقد ابتكرت بعض الشركات الحديثة خاصية إنتاج الكابتشينو و الكافيه لاتيه والاسبرسو في آلة واحدة.
